فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ: الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ بِمَوَالِي الْمُوَالَاةِ وَرَوَوْا أَنَّ الْحَلِيفَ كَانَ يَرِثُ السُّدُسَ مِنْ مَالِ حَلِيفِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [8: 75]، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ وَهَدْمِي هَدْمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ وَتُطْلَبُ بِي وَأُطْلَبُ بِكَ، فَجُعِلَ لَهُ السُّدُسُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يُقَسِّمُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ مِيرَاثَهُمْ، فَنُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ- وَذَكَرَ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ آنِفًا- وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنْ لَا عَلَاقَةَ لِهَذَا بِالْآيَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فَإِنَّ سُورَةَ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ فِي سَنَةِ بَدْرٍ، وَالْمَوَارِيثُ شُرِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْآيَةُ الَّتِي نُفَسِّرُهَا نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْمَوَارِيثِ لَا لِأَنَّهَا بَعْدَهَا فِي تَرْتِيبِ السُّورَةِ، بَلْ لِأَنَّهَا أَشَارَتْ إِلَى أَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ، وَبُنِيَتْ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلٍّ مِنَ الْوَارِثِينَ نَصِيبًا يَجِبُ أَنْ يُؤَدَّى إِلَيْهِ تَمَامًا، فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مُقَرِّرَةً لِلْإِرْثِ بِالتَّحَالُفِ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَشْرَعْ لِلنَّاسِ الْإِرْثَ بِالتَّحَالُفِ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَهُ وَنَسَخَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِيهِ قَبْلَ نُزُولِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَتَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَلَهُ إِرْثُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ.
وَالْمُرَادُ بِالْعَقْلِ دِيَةُ الْقَتْلِ، وَالَّذِي صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا آخَى فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَانَ الْمُهَاجِرُ يَرِثُ أَخَاهُ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ جُمْلَةَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ اسْتِئْنَافِيَّةً، وَالْوَقْفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا، قَالَ: وَالْمَعْنَى: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ قَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصَى لَهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الَّذِي نَسَخَ هَذَا الْإِرْثَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [33: 6]، وَهُوَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، أَمَّا الْمَوَالِي فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا فَهُمُ الْوَارِثُونَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا عليه السلام: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [19: 5].
هَذَا وَإِنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ قَدْ سَبَقَ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِـ {عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} عَقْدُ النِّكَاحِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لَهُ لَا مُبْتَكَرٌ، وَقَدْ ذُهِلَ مَنْ قَالَ مِنْ نَاقِلِيهِ: إِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مُسْتِدِلًّا بِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ إِضَافَتُهُ إِلَى الْيَمِينِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُلْتَزَمُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوَافِقُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ اسْتِعْمَالٍ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ مَعْهُودًا فِي كَلَامِ النَّاسِ قَبْلَهُ لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ نَفْيَ الِابْتِكَارِ، وَأَنَّ كُلَّ اسْتِعْمَالٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْبَدَاهَةِ، فَكَمْ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَبْكَارِ الْأَسَالِيبِ الْحِسَانِ، اللَّاتِي لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ، وَمَا مِنْ بَلِيغٍ إِلَّا وَلَهُ مُخْتَرَعَاتٌ فِي الْبَيَانِ، لَمْ يَسْلُكْ فِجَاجَهَا مِنْ قَبْلِهِ إِنْسَانٌ، وَلِمَاذَا يُسْتَبْعَدُ إِسْنَادُ عَقْدِ النِّكَاحِ إِلَى الْأَيْمَانِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْعُقُودِ، كَالْحَلِفِ وَالْبَيْعِ، وَالْمَعْهُودُ فِي جَمِيعِهَا وَضْعُ الْيَمِينِ فِي الْيَمِينِ؟ وَقَدْ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ: عَقَدَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَالْبَاقُونَ عَاقَدَتْ بِأَلِفِ الْمُفَاعَلَةِ، وَقُرِئَ فِي شَوَاذٍّ: عَقَّدَتْ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
جعلنا فيه سِتَّةُ أوْجُهٍ، وذلك يَسْتَدْعِي مقدِّمَةً قبله، وَهُوَ أنّ كُلّ لابد لَهَا مِنْ شَيْءٍ تُضَافُ إليْهِ.
قال القُرْطُبِيُّ: كُلّ في كلام العربِ مَعْناهَا: الإحَاطَةُ والعموم، فإذا جَاءَتْ مُفْرَدَة، فلابد وأن يكُونَ في الكَلاَمِ حَذْفٌ عند جميع النحويين.
واختلفوا في تقديرهِ: فقيل تقدِيرُهُ: ولكلِّ إنسان.
وقيل: لِكُلِّ مال، وقيل: لِكُلِّ قوم، فإنْ كانَ التَّقْديرُ: لكل إنسان، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدُهَا: وَلِكُلِّ إنسانٍ موروثٍ جعلنا موالي، أي: وُرَّاثًا مِمَّا تَرَكَ، ففي تَرَكَ ضميرٌ عائد على كُلّ، وهنا تمّ الكلام.
وقيل: تَقْدِيرُهُ: ويتعلق {مِمَّا تَرَك} بـ {مَوَالي} لما فيه من معنى الوراثة، و{موالي}: مَفْعُولٌ أوَّ لجَعَلَ، وجَعَلَ بمعنى: صَيَّر، و{لِكُلّ} جار ومجرور هو المفعول الثَّاني، قُدِّم على عامِلِهِ، ويرتفع {الوِلْدَان} على خبر مبتدأ محذوف، أو بفعل مقدّر، أي: يرثون مما [ترك]، كأنه قيل: ومَنْ الوارثُ؟ فقيل: هم الوَالِدَان والأقْرَبُون، والأصل: وجعلنا لكل ميت وراثًا يرثون مما تركه هم الوالدان والأقربون.
والثَّانِي: أنَّ التَّقديرَ: ولكلِّ إنْسَانٍ موروث، جعلنا وراثًا مما ترك ذلك الإنسان. ثُمَّ بين الإنْسَان المضاف إليه كُلّ بقوله: {الوالدان}، كأنه قيل: ومن هو هَذَا الإنسان الموروث؟ فقيل: الوالدان والأقربُونَ، والإعراب كما تقدَّمَ في الوَجْهِ قَبْلَهُ، إنَّمَا الفرقُ بينهما أنَّ الوالِدَيْنِ في الأوَّلِ وارثون، وفي الثانِي مورثون، وعلى هذيْنِ الوجْهَيْنِ فالكلامُ جُمْلَتَانِ، ولا ضميرَ، محذُوف في {جعلنا}، و{موالي} مفعول أول، و{لكل} مفعول ثان.
الثَّالِثُ: أن يكُونَ التَّقدِيرُ: ولكل إنسان وارِث ممَّن تركُ الولِدَانِ والأقْرَبُون جعلنا موالي، أي: موروثين، فَيُراد بالمَولى: الموْرُوثُ، ويرتفع {الوالدان} بـ: {ترك}، وتكون {مَا} بمعنى مَنْ، والجارّ، والمجرورُ صِفَةٌ للمضاف إليه كُلّ، والكلامُ على هذا جُمْلَةٌ واحِدَةٌ، وفي هذا بُعْدٌ كبير.
الرَّابعُ: إذا كان التَّقديرُ وَلِكلِّ قوْمٍ، فالمعنى: ولكل قوم جعلنهم مَوَالي نصيبٌ مِمَّا تَرَكَهُ والدُهم وأقربوهم، فلكل خبر مقدّم، ونَصِيب مُبْتَدَأٌ مُؤخَّرٌ، وجعلناهم صفة لقوم، والضَّمِيرُ العَائِدُ عليهم مفعولُ: جعل، و{موالي}: إما ثانٍ وإمّا حالٌ، على أنَّهَا بمعنى خلقنا، و{مما ترك} صفةٌ للمبتدأ، ثم حُذف المُبْتَدَأ، وبقيت صفته، [وحُذِفَ المُضَافُ إليه كُلّ وبقيت صفته أيضًا]، وحُذف العَائِدُ على المَوْصُوفِ.
ونظيره: لِكُلِّ خَلَقَهُ اللَّه إنْسَانًا مِنْ رِزْقِ اللَّه، أي: لِكُلِّ أحدٍ خلقه اللَّه إنْسَانًا نَصِيبٌ من رزقِ اللَّهِ.
الخَامِسُ: إنْ كَانَ التَّقدِيرُ: ولكلِّ مالٍ، فقالوا: يكون المعنى: ولكلِّ مال مِمَّا تركه الوالدانِ والأقربون جعلنا موالي، أي: وُرَّاثًا يلونه، ويحوزونه، وجعلوا لِكُلّ متعلقة: بجَعَلَ، ومِمَّا ترك صفة لكُلّ، والوالدان فَلعِلٌ بتَرَكَ، فيكونُ الكلامُ على هذا، وعلى الوجهين قبله كلامًا واحدًا، وهذا وإنْ كَانَ حَسَنًا، إلاّ أنَّ فيه الفَصْلَ بين الصِّفَةِ والموْصُوفِ بجملةٍ عامِلَةٍ في الموْصُوفِ.
قال أبُو حَيَّان: وهو نظير قولك: بكلِّ رَجُلٍ مَرَرْتُ تميميٍّ وفي جواز ذلك نَظَرٌ.
قال شهَابُ الدِّينِ: ولا يحتاجُ إلى نَظَرٍ؛ لأنَّهُ قد وُجِدَ الفصلُ بَيْنَ الموْصُوفِ والصِّفَةِ بالجملةِ العَامِلَةِ في المُضَافِ إلى المَوصُوفِ، كقوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السماوات والأرض} [الأنعام: 14] فـ {فَاطِرِ} صفة لـ {الله}، وقد فُصِلَ بينهما بـ {أَتَّخِذُ} العامل في {أَغَيْرَ} فهذا أولى.
السَّادسُ: أنْ يكُونَ لكلِّ مال مفعولًا ثانيًا لجعَلَ على أنَّها تصييرية، و{مَوَالي} مفعول أوَّل، والإعرابُ على ما تقدَّمَ.
المَولى لفظ مُشْتَرَكٌ بيْنَ مَعَانٍ:
أحدها: المعتِقُ؛ لأنَّهُ ولي نعمة من أعتقه، ولذلك سمي مولى النعمة. ثانيها: الْعَبْدُ المُعْتَقُ لاتِّصَالِ ولايَةِ مَوْلاَهُ به في إنْعَامِه عليه، وهذا كما سُمِّيَ الطَّالِبُ غرِيمًا؛ لأنَّ له اللُّزُوم والمطالبة بحقِّه، ويسمَّى المطلوب غريمًا، لِكونِ الدِّينِ لازِمًا له.
وثالثها: الحليفُ؛ لأنَّ المحالف يلي أمْرَهُ بِعَقْدِ اليَمينِ.
ورابعُهَا: ابْنُ العَمِّ؛ لأنَّهُ يليه بالنُّصْرَةِ.
وخامسها: المولى لأنَّ يليه بالنُّصْرَةِ، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين آمَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} [محمد: 11].
سادسُهَا: العَصَبَةُ، وهو المُرادُ بهذه الآية؛ لقوله عليه السلامُ: «أنا أوْلَى بالمؤمنينَ، مَنْ مَات وتَرَكَ مالًا، فَمَالُهُ لمَوَالِي الْعَصَبَةِ، ومَنْ ترك دينًا؛ فأنَا وَلِيُّه».
وقال عليه السلامُ: «ألْحِقُوا الفَرَائِضَ بأهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فللأوْلَى عصبَةٍ ذكر».
قوله: {والذين عَقَدَتْ} في محلّهِ أربعة أوجهٍ:
أحدُهَا: أنَّهُ مُبْتدأ والخبر قوله: {فآتوهم} ودخلت الفاء في الحيز لتضمن الذي معنى الشرط.
الثَّاني: أنَّهُ منصوبٌ على الاشْتِغالِ بإضمار فعلٍ، وهذا أرجحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ بَعْدَهُ طلبًا.
والثَّالِثُ: أنَّهُ مرفوعٌ عطفًا على {الوالدان والأقربون}، فإن أريدَ بالوالدين أنَّهُم موروثون، عادَ الضَّميرُ من {فآتوهم} على {موالي} وإن أُريد أنَّهُم وَارِثُون جازَ عودُه على {موالي} وعلى الوالدَيْنِ وما عُطِفَ عليهم.
الرَّابِعُ: أنَّهُ منصوب عطفًا على {موالي}.
قال أبُو البَقَاءِ: أي: وجعلنا الذين عاقدتْ وُرّاثًا؛ وكان ذلك ونسخ، وردّ عليه أبُو حَيَّان بِفَسَادِ العطْفِ، قال: فإن جُعِل من عطْفِ الجُمَل، وحُذِفَ المفعولُ الثَّاني لدلالة المعنى عليه أمكن ذلك أيْ: جعلنا وُرَّاثًا لكلِّ شَيْءٍ من المال، أو لِكُلِّ إنسان، وجَعلنَا الذِينَ عاقَدَتْ أيمانكم وراثًا وفيه بعد ذلِكَ تَكَلُّفٌ. انتهى.
وقرأ عاصمٌ وحمْزَةُ والكسَائِيُّ: {عقدت} والباقون: {عاقدت} بألف وروي عن حمزة التَّشديد في {عقدت}، والمفاعلة هنا ظَاهِرَةٌ؛ لأنَّ المَرَادَ المخالفة.
والمفعولُ محذوفٌ على كُلٍّ من القِرَاءاتِ، أي: عاقدْتَهم أو عَقَدْتَ حِلْفهم، ونسبة المُعاقَدَةِ، أو العَقْدِ إلى الأيمان مجاز، سوَاءٌ أُريد بالأيْمَانِ الجَارِحَة، أم القَسمُ.
وقيل: ثمَّ مُضافٌ محذوفٌ، أي: عقدت ذَوُو أيْمَانِكُم. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس {ولكل جعلنا موالي} قال: ورثة {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت، ثم قال: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصى له.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس {ولكل جعلنا موالي} قال: عصبة {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل الله: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا} [الأحزاب: 6] يقول: إلا أن يوصوا إلى أوليائهم الذين عاقدوا وصية، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت وهو المعروف.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولكل جعلنا موالي} قال: الموالي. العصبة، هم كانوا في الجاهلية الموالي، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسمًا. فقال الله: {فإن لم تعلموا أباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} [الأحزاب: 5] فسموا الموالي.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل، يقول: ترثني وأرثك، وكان الأحياء يتحالفون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا عقد ولا حلف في الإسلام نسختها هذه الآية {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأحزاب: 6]».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كان الرجل يعاقد الرجل فيرث كل واحد منهما صاحبه، وكان أبو بكر عاقد رجلًا فورثه.
وأخرج أبو داود وابن جرير وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر، فنسخ في ذلك في الأنفال فقال: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأحزاب: 6].